فصل: ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 سنة إحدى وثلاثين ومائة فمن الحوادث فيهاتوجيه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر وهو بقومس وذلك أنه لما قتل نباته ارتحل نصر بن سيارفنزل الخوار ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى قومس في حرم هذه السنة ثم وجه إلى ابنه جماعة من الرؤوس في سبعمائة فدخلوا حائطًا فوجه إليهم نصر جندًا فحصروهم فنقبوا الحائط وخرجوا وسار نصر حتى نزل الري فأقام يومين ثم مرض حتى كان بساوة قريبًا من همذان فمات بها‏.‏وفيها‏:‏ تحول أبو مسلم من مرو إلى نيسابور فنزلها ولما نزل قحطبة الري كتب إلى أبي مسلم

بخبره فارتحل أبو مسلم من مرو فنزل نيسابور وخندق بها وبنى الجامع والمقصورة وغصب

أكثر الأرض التي بناها إلا أن المسلمين سألوا من غصبت منهم فأباحهم الصلاة فيها‏.‏ وقيل‏:‏ بل

استوهبها أبو مسلم ولم يأخذها غصبًا وفيها‏:‏ قتل قحطبة عامر بن ضبارة وسبب ذلك أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لما ابن ضبارة مضى نحو خراسان وتبعه عامر وكتب إلى ابن هبيرة إلى عامر وإلى ابنه داود بن يزيد بن عمر أن يسير إلى قحطبة فسار في خمسي ألفًا حتى نزلوا أصفهان بمدينة يقال لها جي فاقتتلوا فانهزم أهل الشام وقتلوا قتلًا ذريعًا وقتل ابن ضبارة وانهزم داود وأصيب عسكرهم ما لا تدري عدده من السلاح والمتاع والرقيق ووجدوا عندهم ما لا يحصى من البرابط والطنأبير والمزامير والخمر‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة قحطبة بنهاوند بمن لجأ إليها من جنود مروان بن محمد وقيل‏:‏ كانت هذه

الواقعة بجابلق من أرض أصفهان يوم السبت لسبع بقين من رجب‏.‏‏.‏وذلك أن قحطبة أرسل إلى أهل خراسان الذين في مدينة نهاوند يدعوهم إلى الخروج إليه

فأعطاهم الأمان فأبوا ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك فقبلوا وبعثوا إليه‏:‏ اشغل أهل المدينةحتى نفتح الباب وهم لا يشعرون فشغل أهل المدينة بالقتال ففتح أهل الشام الباب الذي كانوا

عليه فخرج أهل خراسان فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى رجل من قواد أهل خراسان ثم

أمر مناديه أن ينادي‏:‏ من كان في يديه أسير ممن خرج إلينا من المدينة فليضرب عنقه وليأتينا

برأسه ففعلوا فلم يبق أحد من الذين كانوا هربوا من أبي مسلم وصاروا في ذلك الحصن إلا قتلما خلا أهل الشام فإنه أخلى سبيلهم وأخذ عليهم الأيمان ألا يمالئوا عليه عدوًا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ سار قحطبة نحو ابن هبيرة وكان ابن هبيرة قد استمد مروان وأقبل حتى

نزلوا جلولاء واحتفر الخندق الذي كانت العجم احتفرته أيام وقعة جلولاء وأقام حتى نزل

قرماسين ثم سار إلى حلوان ثم جاء إلى خانقين ولم يزل حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن

هبيرة وكان في هذه السنة‏:‏ طاعون سلم بن قتيبة‏.‏ قال‏:‏ الأصمعي‏:‏ كان يمر في كل يوم بطريق المربد أحد عشر ألف نعش‏.‏ قال المدائني‏:‏ كان هذا الطاعون في رجب واشتد في رمضان‏.‏ وكان يحصى في سكة المربد كل يوم عشرة آلاف جنازة أيامًا وخف في شوال‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ مات في أول يوم سبعون ألفًا‏.‏ وفي الثاني نيف وسبعون ألفا وأصبح الناس في

اليوم الثالث موتى‏.‏ وكان على البصرة سلم بن قتيبة فلما قام على المنبر جعل ينظر يمنة ويسرة

فلا يرى أحدًا يعرفه وكان يغلق على الموتى الباب مخافة أن تأكلهم الكلاب وينادي المنادى‏:‏أدركوا آل فلان فقد أكلته الكلاب‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس الوليد بن عروة بن محمد بن عطية السعدي وهو كان عامل مكة

والمدينة والطائف من قبل عمه عبد الملك بن محمد وكان عامل العراق يزيد بن عمر بن هبيرة

وكان على قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي وعلى قضاء البصرة عباد بن منصورالناجي‏.‏أيوب بن أبي تميمة السختياني

يكنى أبا بكر مولى لعنزة واسم أبي تميمة كيسان‏:‏ كان ثقة ثبتًا ورعًا يستر حاله وكان النساكحينئذ يشمرون ثيابهم وكان في ذيله بعض الطول وحج أربعين حجة‏.‏ وكان الحسن يقول‏:‏ سيد

شباب أهل البصرة أيوب وكان سفيان بن عيينة قد لقي ستة وثمانين من التابعين وكان يقول‏:‏ ما

رأيت مثل أيوب‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر بإسناده له عن أبي بكر القرشي قال‏:‏ حدَّثني أحمد بن عاصمالعباداني عن سعيد بن عامر عن وهب بن جابر قال‏:‏ قال أيوب السختياني‏:‏

إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو علي التميمي قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر

بن مالك قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدَّثني سليمان بن حرب قال‏:‏

حدَّثنا حماد بن زيد قال‏:‏ كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرق فيلتفت فيمتخط ويقول‏:‏ ما اشد الزكام أخبرنا إسماعيل بن أبي بكر قال‏:‏ أخبرنا طاهر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ حدَّثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدَّثنا الحسن بن عمر قال‏:‏ سمعت بشر بن الحارث دخل بديل على أيوب السختياني وقد مد على فراشه سبينة حمراء يدفع الرياء فقال له بديل‏:‏ ما هذا فقال أيوب‏:‏ هذا خير من هذا الصوف الذي عليك‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا الفضل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدَّثنا

عثمان بن محمد العثماني قال‏:‏ حدَّثنا خالد بن النضر القرشي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن موسى

الجرشي قال‏:‏ حدَّثنا النضر بن كثير السعدي قال‏:‏ حدَّثنا عبد الواحد بن زيد قال‏:‏

كنت مع أيوب على حراء فعطشت عطشًا شديدًا حتى رأى ذلك في وجهي فقال‏:‏

ما الذي أرى بك قلت‏:‏ العطش قد خفت على نفسي قال‏:‏ تستر علي قلت‏:‏ نعمفاستحلفني فحلفت له ألا أخبر أحدًا ما دام حيًا قال‏:‏ فغمز برجله على حراء فنبع الماء حتى

رويت وحملت معي من الماء قال‏:‏ فما حدثت به حتى مات‏.‏

قال عبد الواحد‏:‏ فأتيت موسى الأسواري فذكرت ذلك له فقال‏:‏ ما بهذه البلدة أفضل من

الحسن بن أيوب‏.‏ توفي في هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس‏:‏ أمه أم ولد وهو الذي يقال له الإمام أوصى إليه أبوه وانتشرت دعوته في خراسان كلها‏.‏

وكان شيعته يختلفون إليه ويكاتبونه من خراسان ووجه بأبي مسلم إلى خراسان واليًا علىيعته ودعاته فتجرد أبو مسلم لمحاربة عمال بني أمية وقوي أمره وأظهر لبس السواد وغلب

على البلاد يدعو إلى الإمام ويعمل بما يرد عليه من مكاتباته من غير أن يظهر للناس اسمه إلا لمن كان من الدعاة والشيعة إلى أن ظهر اسمه وانكشف فعلم بالحالة مروان بن محمد فاخذ إبراهيم فحبسه فمات في حبسه بأرض الشام وهو ابن ثمان وأربعين سنة وقيل‏:‏ أنه هدم عليه بيتًا‏.‏

وقيل‏:‏ سقي لبنًا فأصبح ميتًا‏.‏

عبد الله بن ذكوان أبو الزنادمولى بنت رملة بنت شيبة بنت ربيعة

وذكر أن أبوه هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

قال الشعبي‏:‏ كفلتني وأبا الزناد فاطمة بنت عثمان فلم يزل يعلو واسفل حتى بلغنا ما ترى

مات أبو الزناد فجأة بالحجاز في مغتسلة لثلاث عشرة ليلة بقيت من رمضان وله ست وستون

سنة‏.‏

فريد بن يعقوب السبخي يكنى أبا يعقوب‏:‏ أسند عن أنس وكان يضعف في الحديث لأنه كان زاهدًا متعبدًا‏.‏

أخبرنا أحمد بن محمد المذاري قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أحمد بن البنا قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمدبن بشران قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدَّثنا هارون بن عبد

الله قال‏:‏ حدَّثنا سيار قال‏:‏ حدَّثنا جعفر قال‏:‏ سمعت السبخي يقول‏:‏ اتخذوا الدنيا ظئرًا واتخذوا الآخرة أمًا ألم تروا إلى الصبي يلقي نفسه على الظئر فإذا ترعرع وعرف والدته ترك ظئره وألقى نفسه على والدته وإن الآخرة توشك أن تجيركم‏.‏

منصور بن زاذان مولى عبد الله بن أبي عقيل الثقفي‏:‏ روى عن الحسن وابن سيرين وأرسل الحديث عن الحسن وكان كثير التعبد والبكاء يختم القرآن وليلة ختمتين ويبكي ويمسح عينيه بعمامته ويخلها كورًا كورًا فيمسح بها فإذا ابتلت وضعها بين يديه‏.‏

وقيل له‏:‏ ألا تخرج بنا إلى الصحراء فقال‏:‏ ينكسر الروزحاء‏.‏أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بنالفتح قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الدقاق قال‏:‏ حدَّثنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو

بكر القرشي قال‏:‏ حدَّثني من سمع عمرو بن عون يقول‏:‏ سمعت هشيمًا يقول‏:‏ مكث منصور بن زاذان يصلي الفجر بوضوء العشاء عشرين سنة‏.‏

أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن احمد السمرقندي قال‏:‏ أخبرنا

أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد المعدل قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاققال‏:‏ حدَّثنا ابن البراء قال‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال‏:‏ قال هشيم لو قيل لمنصور بن ذازان إن ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل وذلك أنه كان يخرج فيصلي الغداة في الجماعة ثم يجلس فيسبح حتى تطلع الشمس ثم يصلي إلى الزوال ثم يصلي الظهر ثم يصلي العصر ثم يجلس فيسبح إلى المغرب ثم يصلي المغرب ثم يصلي العشاء ثم ينصرف إلى بيته فيكتب عنه في ذلك الوقت‏.‏توفي في هذه السنة وقيل سنة ثمان وعشرين وقيل في سنة تسع وعشرين

نصر ين سيار أمير خراسان‏:‏ ولي الولايات وروى عنه عكرمة وأسند الحديث وتوفي لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من هذه السنة وهو ابن خمس وثمانين سنة‏.‏

واصل بن عطاء أبو حذيفة الغزالي مولى بني ضبة وقيل‏:‏ مولى بني مخزوم وقيل مولى بني هاشم‏:‏ ولد سنة ثمانين وكان يجالس الغزاليين فقيل له‏:‏ الغزالي كان من رؤساء المعتزلة وكان لا يقيم الراء وكان يتجنبها في كلامه، توفي في هذه السنة‏.‏

 سنة اثنين وثلاثين ومائة

فمن الحوادث فيها هلاك قحطبة بن شبيب

وكان السبب في ذلك أن قحطبة لما نزل بخانقين وابن هبيرة بجلولاء وبينهما خمسة فراسخ وأمده مروان بعشرون ألفًا من أهل الشام والتقيا فحمل على ابن هبيرة فولى أصحابه منهزمين وفقدوا قحطبة فبايعوا حميد بن قحطبة فسار حتى نزل كربلاء ثم اجتمعوا على الحسن بن قحطبة ثم وجد قحطبة قتيلاُ في جدول فدفنوه‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن معن بن زائدة ضرب قحطبة على حبل عاتقة فسقط في الماء فاخرجوه فقال‏:‏

إن مت فألقوني في الماء لا يعلم أحدًا بقتلي فإذا قدمتم الكوفة فوزير الإمام أبو سلمة حفص بن

سليمان فسلموا هذه الأمر إليه ورجع ابن هبيرة إلى واسط‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج محمد بن خالد بالكوفة وسود قبل أن يدخلها الحسن بن قحطبة

وضبطها وأخرج عنها عامل بن هبيرة ثم دخلها الحسن‏.‏

وكان قد خرج محمد بن خالد ليلة عاشوراء وعلى الكوفة زياد بن صالح الحارثي فسار إلى

القصر فارتحل زياد وأهل الشام وخلوا القصر فدخله محمد بن صالح فلما أصبح يوم الجمعة

وذلك صبيحة اليوم الثاني من مهلك قحطبة بلغه نزول حوثرة ومن معه مدينة ابن هبيرة وأنه تهيأ للمسير إلى محمد فتفرق الناس عن محمد فأرسل إليه أبو سلمة الخلال يأمره بالخروج من القصر واللحوق بأسفل الفرات فإنه يخاف عليه لقلة من معه فأبى محمد وجاء أصحاب حوثرة

فصاروا مع محمد فارتحل الحسن بن قحطبة نحو الكوفة فدخلها واستخرجوا أبا سلمة بالنخيلة

يومين ثم ارتحل إلى حمام أعين ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هبيرة وخطب أبو سلمة حين بايعه أهل خراسان فدعا إلى طاعة بني العباس وفرق العمال في البلدان ووجهبسام بن إبراهيم إلى عبد الواحد بن عمر بن هبيرة وهو بالأهواز فقاتله بسام حتى فضه

فلحق بسلم بن قتيبة الباهلي وهو بالبصرة وهو يومئذ عامل ليزيد بن عمرو بن هبيرة وكتب إلى سفيان بن معاوية بعهده إلى البصرة وأمره أن يظهر بها دعوة بني العباس وينفي سلم بن قتيبة‏.‏فقدم سفيان على سلم يأمره بالتحول عن دار الإمارة ويخبره بما أتاه من رأي أبي سلمة فأبى

سلم ذلك وامتنع منه وحشد مع سفيان جميع اليمانية وغيرهم وحلفاءهم وجنح إليه قائد

من قواد ابن هبيرة وكتب إلى سفيان بن معاوية بعهده إلى البصرة وأمره أن يظهر بها دعوة بني العباس وينفي سلم بن قتيبة‏.‏

فكتب سفيان إلى سلم يأمره بالتحول عن دار الإمارة ويخبره بما أتاه من رأي أبي سلمة فأبىسلم ذلك وامتنع منه‏.‏ وحشد مع سفيان جميع اليمانية وغيرهم وحلفاءهم وجنح إليه قائد

من قواد بني هبيرة كان بعثه مددًا لسلم في ألفي رجل من كلب فأجمع السير إلى سلم فاستعدله سلم‏.‏

فقدم سفيان يوم الخميس في صفر فالتقوا فانكسر سفيان وقتل ابنه وانهزم ومن معه ولم يزل

سلم مقيمًا بالبصرة حتى بلغه مقتل ابن هبيرة فشخص عنها‏.‏واجتمع من بالبصرة من ولد الحارث بن عبد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أمرهم فوليهم

أيامًا حتى قدم عبد الله بن أسد الخزاعي من قبل أبي مسلم‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ بويع لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد

المطلب‏.‏

 باب ذكر خلافة أبي العباس السفاح

قد روى في الحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم العباس أن الخلافة تؤول إلى ولده

فلم يزل ولده يتوقعونها ويتحدثون بذلك بينهم‏.‏

أخبرنا أبو المنصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن عليالوراق قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال‏:‏ حدَّثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حمادالأنصاري قال‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال‏:‏ حدَّثنا أبو أسامة قال‏:‏ حدَّثني زائدة

عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

يخرج منا رجل انقطاع من الزمن وظهور من الفتن يسمى السفاح يكون عطاؤه للمال حثيًا‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرني علي بن أحمد الرزاز قال‏:‏ حدَّثنا

أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن عبيد

الكندي قال‏:‏ حدَّثنا الحسين بن محمد بن علي الأزدي قال‏:‏ أخبرني سلام مولى العباسة بنتالمهدي قال‏:‏ حدَّثني محمد بن كعب مولى المهدي قال‏:‏ سمعت المهدي يقول‏:‏ حدَّثي أبي عنأبيه عن جده عن ابن عباس قال‏:‏ والله لو لم يبق إلا يوم لأدال الله من بني أمية ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي‏.‏أنبأنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحميدي قال‏:‏ قال لنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الحافظ‏.‏

إن أول الأسماء التي وقعت على الخلفاء الصديق والفاروق وذو النورين ثم لم يسم أحد منالخلفاء حتى ولي أبو العباس فسمي السفاح ثم المنصور وهو أول من تسمى بهذا الاسموتسمى به بعده إسماعيل بن أبي القاسم الشيعي ثم محمد بن أبي عامر ثم ذاوي وسأبور والي

بطليوس في آخرين‏.‏

والمهدي وكان تسمى به قبل ذلك كله محمد الحنفية ثم رجل من بني علي قام باليمن ثم عبيد

الله الشيعي بالقيروان أول قائم قام بالقيروان ثم محمد بن هشام بن عبد الجبار ثم عبد العزيز

بن الأصبع ثم محمد بن إدريس الحسيني بمألفة‏.‏

والهادي ابن المهدي ثم تسمى به رجل من بني علي قام بصعده في اليمن

والرشيد ثم تسمى به صالح حاجب المعتضد‏.‏

والمأمون ثم تسمى به عبد الرحمن بن أبي عامر ثم القاسم بن محمود ثم يحيى بن إسماعيل بن ذي النون‏.‏

والمعتصم ثم تسمى به محمد بن المظفر بن أبي عامر ثم محمد بن عبد العزيز من أولاد أبي

عامر المعتضد وتسمى به عباد بن محمد بن عباد اللخمي صاحب إشبيلية‏.‏والمستكفي ثم تسمى به محمد بن عبد الرحمن‏.‏

وقد حكيت ألقاب لبني أمية ولا يصح ذلك‏.‏

وقال الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‏:‏ لنا ثلاثة أوقات‏:‏ موت يزيد بن معاوية ورأس

المائة وفتق إفريقية‏.‏ فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم

إلى المغرب ويستخرجوا ما كنز الجبارون فيها‏.‏

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد بن علي رجلًا إلى خراسانوأمره أن يدعو إلى الرضا ولا يسمي أحدًا‏.‏وكان بنو أمية يحسون بولاية بني العباس فروى خليد بن عجلان قال‏:‏ لما خالف ابن الأشعث أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد فأخبره فقال‏:‏ أما إذا كان الفتق من سجستان فليس عليك بأس وإنما كنا نتخوف لو كان من خراسان‏.‏

وقد ذكرنا أنه لما مات محمد بن علي جعل وصيته بعده لأبنه إبراهيم فبعث إبراهيم أبا سلمة

حفص بن سليمان مولى السبيع إلى خراسان وكتب معه إلى النقباء بها ثم رجع إليه فرده ومعه

أبو مسلم‏.‏وبلغ الخبر مروان فبعث إلى إبراهيم فأخذه وقد كان عرف صفة الرجل الذي يقتلهم فلما رأىإبراهيم قال‏:‏ ليس هذه صفته فردهم في طلبه‏.‏وفي رواية أن مروان وصف له وصفة فجاء فرأى تلك الصفة في أبي العباس فأخذه فقيل

للرسول‏:‏ إنما أمرت بأخذ إبراهيم فترك أبا العباس وأخذ إبراهيم فانطلق به فأوصى إبراهيم

إلى أخيه أبي لعباس وجعله خليفة من بعده وأمر أهله بالمسير إلى الكوفة مع أخيه‏.‏

ثم أن مروان قتله فشخص أبو العباس ومن معه من أهل بيته‏:‏ عبد الله بن محمد وداود بنعلي وعيسى وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو علي ويحيى بن محمد وعيسى بن موسى بن محمد بن علي وعبد الوهاب ومحمد ابنا إبراهيم الإمام وموسى بن داود وعيسى بن جعفر بن تمام حتى قدموا الكوفة في صفر فأفرد لهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم وكتم أمرهم نحوًا من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة‏.‏

ونقل إنه أراد بذلك تحويل الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم بن محمد

وذهب قوم من الشيعة فدخلوا إلى أبي العباس وجاء أبو سلمة فمنعوه أن يدخل معه أحد

فدخل وحده فسلم بالخلافة فقال أبو حميد‏:‏ على رغم أنفك‏.‏

وبويع أبو العباس السفاح بالكوفة في يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وانتقل

إلى الأنبار فسكنها حتى مات‏.‏

وأمه ريطة بنت عبيد الله الحارثي من بني عبد المدان وكان مولده بالشراة سنة خمس ومائة

واستخلف وهو ابن سبع وعشرين سنة وهو أول خلفاء بني العباس وكان أصغر سنًا من أخيه

المنصور وكان أشعر جعدًا طويلًا أبيض أقنى الأنف حسن الوجه واللحية جعدها وكان يقالله‏:‏ السفاح والمرتضى والقائم وهو أول من تلقب من بني العباس‏.‏

وقيل‏:‏ إنما لقب بالسفاح لما سفح من دماء المبطلين‏.‏

ورفعت إليه سعاية مكتوب عليها بصيحة فوقع عليها‏:‏ تقربت إلينا بما باعدك من الله تعالى

ولا ثواب عندنا لمن آثرنا عليه وظفر ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتاعها بأربعة

آلاف دينار ولم يرو إلا حديثًا واحدًا وكان نقش خاتمه‏:‏ الله ثقة عبد الله‏.‏وكان وزيره أبو الجهم عطية بن حبيب‏.‏ وقال أبو بكر الصولي‏:‏ أول من وزر لبني العباس أبو

سلمة حفص بن سليمان الخلال ثم خالد بن برمك

 فصل

ولما ولي الخلافة خرج يوم الجمعة فصلى بالناس ثم قال في خطبته‏:‏ الحمد لله الذي اصطفى

الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمة واختاره لنا وأيده وجعلنا أهله وكهفه وحصنه

والقوام به والذأبين عنه والناصرين له وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنبتنا

من شجرته واشتقنا من نبعته وأنزل بذلك كتابًا فقال فيه‏:‏ قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة

في القربى ‏"‏ فلما قبض الله رسوله قام بذلك الأمر أصحابه وأمرهم شورى بينهم فعدلوا

وخرجوا خماصًا ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها وتداولوها فاستأثروا بها وظلموا أهلها

فأملى الله لهم حينًا فلما أسفوه أنتقم الله منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وأنا السفاح المبيح الثائر المبير‏.‏

وكان موعوكًا فاشتد عليه الوعك فجلس على المنبر وتكلم فقال‏:‏ إنا والله ما خرجنا لنكثر لجينًا ولا عقيانًا ولا نحفر نهرًا وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم لحقنا ولقد كانت أموركم ترمضنا لكم ذمة الله عز وجل وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل بكتاب الله ونسير فيكم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم‏.‏ثم نزل أبو العباس وداود أمامه حتى دخل القصر فأجلس أبا جعفر وأخذ البيعة على الناس فيالمسجد وأعظم تدبير أبو سلمة حفص بن سليمان ولقب الوزارة وهو أول من سمي بها

وكتب إليه أبو مسلم‏:‏ للأمير أبي سلمة وزير آل محمد من عبد الرحمن أبي مسلم أمير آل محمد‏.‏

ثم استعمل السفاح على الكوفة عمه داود بن علي وعلى واسط أخاه جعفر وحضر جماعة

من أهل بيته فذكروا جمع المال فقال عبد الله بن حسن‏:‏ سمعت بألف ألف درهم وما رأيتها

مجتمعة فقال أبو العباس‏:‏ أنا أصلك بها حتى تراها مجتمعة فلما قبض المال استأذنه في الخروج إلى المدينة فأذن له ودفع إليه مالًا ليقسمه على بني هاشم بالمدينة فلما قسمه أخذوا يشكرون أبا العباس فقال عبد الله‏:‏ هؤلاء أحمق الناس يشكرون من أعطاهم بعض حقهم فبلغه ذلك فأخبر أهله فقالوا‏:‏ أدبه فقال‏:‏ من شدد أنفر ومن تراخى ألف والعفو أقرب للتقوى والتغافل

من فعل الكرام‏.‏أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏أخبرنا أحمد بن عمر بن روح قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن يحيىالصولي قال‏:‏ حدَّثنا القاسم بن إسماعيل قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي عن أبيه

قال‏:‏ حدَّثني من حضر مجلس السفاح وهو أحشد ما كان ببني هاشم والشيعة ووجوه الناس فدخل عبد الله بن حسن بن حسن ومعه مصحف فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف قال‏:‏ فأشفق الناس من أن يجعل السفاح بشي عليه ولا يريدون ذلك في

شيخ بني هاشم في وقته أو يعي بجوابه فيكون ذلك عارًا عليه‏.‏ قال‏:‏ فأقبل عليه غير مغضبولا مزعج فقال‏:‏ إن جدك عليًا - وكان خيرًا مني وأعدل - ولي هذا الأمر فما أعطى جديكالحسن والحسين - وكانا خير منك - شيئًا وكان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد

أنصفتك وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك قال‏:‏ فما رد عبد الله جوابًا وانصرف الناسيعجبون من جوابه له‏.‏وكتب أبو العباس إلى خاله زياد بن عبد الله وكان عامله على المدينة قربني من رسول الله

صلى الله عليه وسلم بحفظ جيرانه وإكرام أهل بيته ولا تسلط هواك فيما وجب إسخاطي

فإن الله شاهدي وأنت المأخوذ بالتقصير‏.‏

وكتب إلى داود بن علي وهو عامله على مكة‏:‏ أما بعد فهذه سنة طمس فيها عيون الجوروأخمد نيران الظلم أباد الشجرة الملعونة فهن زوار بيت الله بنصر أوليائه وخذلان أعدائه

ليحمدوه على ذلك‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ هزم مروان بالزاب وذلك أن قحطبة كان قد وجه أبا عون عبد الله بن يزيد

الأزدي فقتل عثمان بن سفيان وأقام بناحية الموصل فلما بلغ مروان قتل عمه عثمان أقبل منحران حتى أتى الموصل فنزل على الزاب وحفر خندقًا فسار إليه أبو عون فوجه أبو سلمةإلى أبي عون عيينة بن موسى والمنهال بن حبان وإسحاق بن طلحة كل واحد في ثلاثة آلاف

فلما ظهر أبو العباس بعث مسلمة بن محمد في ألفين وعبد الله الطائي في ألف وخمسمائة وعبد

الحميد بن ربعي الطائي في ألفين وداس بن نضلة في خمسمائة إلى أبي عون ثم قال‏:‏ من يسير إلى مروان من أهل بيتي فقال عبد الله بن علي‏:‏ أنا فقال‏:‏ سر على بركة الله‏.‏

فسار فقدم على أبي عون فتحول له أبو عون عن سرادقه وخلاه له وما فيه فلما كان لليلتين

خلتا من جمادى الآخرة سنة ثنتين وثلاثين ومائة سأل عبد الله بن علي عن مخاضة فدل عليها

بالزاب فأمر عيينة بن موسى فعبر في خمسة آلاف وانتهى إلى عسكر مروان فقاتلهم حتى

أمسوا وتحاجزوا ورجع عيينة فعبر المخاضة إلى عسكر عبد الله فأصبح مروان فعقد الجسر

وسرح ابنه عبد الله بن مروان فحفر خندقًا أسفل من عسكر ابن علي فبعث عبد الله بن علي

المخارق في أربعة آلاف فنزل على خمسة أميال من عسكر ابن علي فسرح عبد الله بن مروان

إليه الوليد بن معاوية فلقي المخاريق فانهزم أصحابه وأسر المخاريق وقتل يومئذ عدة فبعث بهم إلى عبد الله وبعثه عبد الله إلى مروان مع الرؤوس فقال مروان‏:‏ أدخلوا علي رجلا من الأسارى فأتوه بالمخارق فقال‏:‏ أنت المخارق فقال‏:‏ أنا عبد من عبيد أهل العسكر قال‏:‏ فتعرف المخارق قال‏:‏ نعم قال‏:‏ انظر في هذه الرؤوس هل تراه فنظر على رأس منها فقال‏:‏ هو هذا فخلى سبيله‏.‏

وبلغ عبد الله انهزام المخارق فقال له موسى بن كعب‏:‏ اخرج إلى مروان قبل أن يصل الفل إلىالعسكر فنظر ما لقي المخارق فدعا عبد الله بن علي محمد بن صول فاستخلفه على العسكر وسار على ميمنته ابن عون وعلى ميسرته الوليد ين معاوية ومع مروان ثلاثة آلاف فقال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز‏:‏ إن زالت الشمس اليوم ولم يقاتلونا كنا الذي

ندفعها إلى عيسى ابن مريم وإن قاتلونا قبل الزوال فإنا لله وإن إليه لراجعون وأرسل مروان إلى عبد الله بن علي يسأله الموادعة فقال‏:‏ كذب لا تزول الشمس حتى أوطئهم بالخيل إن شاء

الله فقال مروان لأهل الشام‏:‏ قفوا لا تبدأوهم بقتال فحمل الوليد بن معاوية فقاتل أهل الميمنة

فغضب مروان وشتمه فأنحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي فقال موسى بن كعب لعبد الله‏:‏

مر الناس أن ينزلوا فنودي‏:‏ الأرض فنزل الناس وشرعوا الرماح وجثوا على الركب واشتد القتال فقال مروان لقضاعة‏:‏ انزلوا فقالوا‏:‏ قل لبني سليم فلينزلوا فأرسل إلى السكاسك‏:‏ احملوا فقالوا‏:‏ قل لبني عامر فليحملوا فأرسل إلى السكون أن احملوا فقالوا‏:‏ قل لغطفان فليحملوا فقال لصحب شرطته‏:‏ انزل فقال‏:‏ لا والله ما كنت لأجعل نفسي غرضًا قال‏:‏ أما والله لأسوءنك قال‏:‏ وددت والله لو أنك قدرت على ذلك فانهزم أهل الشام وانهزم مروان وقطع الجسر فكان من غرق يومئذ أكثر ممن قتل وكان ممن غرق يومئذ إبراهيم ابن الوليد المخلوع فأمر عبد الله بن علي فعقد الجسر على الزاب واستخرج الغرقى فأخرجوا ثلاثمائة وأقام عبد الله في عسكره سبعة أيام وحوى عسكر مروان بما فيه فوجدوا فيه سلاحًا كثيرًا وأمولًا‏.‏وكتب عبد الله بن علي بالفتح إلى أمير المؤمنين أبي العباس السفاح فلما أتاه الخبر صلى ركعتين وأمر لمن شهد الواقعة بخمسمائة خمسمائة ورفع أرزاقهم إلى ثمانين‏.‏

وكان مروان منذ لقيه أهل خراسان لا يدبر شيئًا إلا وقع فيه خلل ولقد وقف يوم انهزم الناس

يقتتلون فأمر بأموال فأخرجت وقال للناس‏:‏ اصبروا وقاتلوا هذه الأموال لكم فجعل الناس

يصيبون من ذلك المال فأرسلوا إليه‏:‏ إن الناس قد مالوا على هذا المال ولا تأمنهم أن يذهبوا

فأرسل إلى ابنه عبد الله‏:‏ أن سر في أصحابك فاقتل من أخذ من ذلك المال وامنعهم فمال عبد

الله برايته وأصحابه فقال الناس‏:‏ الهزيمة فانهزموا‏.‏ وذلك صبيحة يوم السبت لإحدى عشر

خلت من جمادى الآخرة‏.‏

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر قال‏:‏ أخبرناأحمد بن منصور اليشكري قال‏:‏ قرئ على الصولي وأنا حاضر قال‏:‏ حدَّثنا الغلابي قال‏:‏

حدَّثنا عبد الله بن عائشة قال‏:‏ لما استقام الأمر لأبي العباس السفاح خطب يومًا فأحسن الخطبة فلما نزل عن المنبر قام إليه

دونكموها يا بني هاشم فجددت أمراءها الطامسا**

دونكموها ما على كعب من أمسى عليكم ملكها نافسا**

دونكموها فالبسوا تاجها لا تعدموا منكم لها لابسا**

خلافة الله وسلطانه وعنصرًا كان لكم دارسا**

لو خير المنبر فرسانه ما اختار إلا منكم فارسا**

والملك لو شوور في ساسة ما اختار إلا منكم سائسا**

لم يبق عبد الله بالشام من آل أبي العاص امرًا عاطسا**

فقال له أبو العباس السفاح‏:‏ سل حاجتك قال‏:‏ ترضى عن سليمان بن حبيب بن المهلب وتوليه

الأهواز قال‏:‏ قد فعلت ثم أمر أن يكتب عهد سليمان على الأهواز وتدفع إلى السيد فكتب

ثم أخذه السيد وقدم على سليمان بالبصرة فلما وقعت عليه عينه انشده يقول‏:‏

أتيناك يا قرم أهل العراق بخير كتاب من القائم**

أتيناك من عند خير الأنام وذاك ابن عم أبي القاسم**

أتينا بعهدك من عنده على من يليك من العالم فقال له سليمان‏:‏ شريف وشافع ووافد وشاعر ونسيب سل حاجتك قال‏:‏ جارية فارهة جميلة ومن يخدمها وبدرة ومن يحملها وفرس راتع وسايسه وتخت من صنوف الثياب وحاملها قال‏:‏ قد أمرت لك بجميع ما سألت ولك عندي في كل سنة مثله‏.‏قال الصولي‏:‏ و حدَّثنا جبلة بن محمد قال‏:‏ حدَّثنا أبي هذا الخبر وزاد فيه‏:‏ أن سليمان قال

للسيد‏:‏ احتكم فقال‏:‏

سأحكم إذ حكمتني غير مسرف **ولا مقصر يا ابن الكماة الأكارم

ثلاثة آلاف وعبد وبغلة **وجارية حسناء ذات مآكم

وسرج وبرذون صليع وكسوة **وما ذاك بالإكثار من حكم حاكم

على ذي ندى يعطيك حتى كأنما** يرى بالذي يعطيك أحلام نائم

أرحني بها من مجلسي ذا فإنني ** وحقك إن لم أعطها غير رايم وفي هذه السنة قتل مروان بن محمد‏:‏ وذلك إنه لما هرب من الزاب مر بقنسرين وعبد الله بن علي يتبعه ثم مضى إلى حمص فتلقاه أهله بالسمع والطاعة فأقام بها يومين أو ثلاثة ثم شخص منها فلما رأوا قلة عدده طمعوا فيه وقالوا‏:‏ مرعوب منهزم فاتبعوه بعد ما رحل فلحقوه أميال فلما رأى غبرة خيولهم كمن لهم كمينين ثم صافهم وناشدهم فأبو إلا قتاله فنشب القتال بينهم وثار الكمينان من خلفهم فهزموا أصحاب مروان ومر مروان إلى دمشق ثم بالأردن ثم فلسطين واتبعه عبد الله بن علي‏.‏فأنفذ أبو العباس عمه صالح بن علي في جموع كثيرة إلى الشام على طريق السماوة حتى لحقبأخيه عبد الله بن علي وسار إلى دمشق وبها الوليد بن مروان بن الحكم خليفة مروان بن محمد

فحصرها وفتحها عنوة وقتل الوليد وأنهب البلاد ثلاثة أيام وقلع أسوارها حجرًا حجرًا

وبعث بيزيد بن معاوية بن مروان وعبد الله بن عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك بن مروان إلى أبي العباس فقتلهما وصلبهما‏.‏وهرب مروان إلى مصر فدخلها في رمضان وبها عبيد الله ابنه وقد سبقه ونزل عبد الله بن

علي نهر أبي فرطس وجمع بني أميه وأظهر أنه يريد أن يفرض لهم العطاء فلما اجتمعوا وهم

نيف وثمانون أنسانًا خرجوا عليهم فقتلوهم وجاء كتاب أبي العباس بأن ينفذ صالح بن علي

لطلب مروان ويجعل على مقدمته أبا عون عبد الملك بن يزيد فمضى ومعه أبو عون والحسن

بن قحطبة وعامر بن إسماعيل التميمي ومنهال بن قنان فبلغوا إلى العريش وبلغ مروان الخبر

فأحرق ما حوله من علف وطعام وهرب ومضى صالح ومن معه في طلبه إلى الصعيد وقدم أباعون أمامه وعامر بن إسماعيل وسعيد ين عثمان المازني فلقوا خيلًا لمروان فهزموهم وأسروهم وسألوهم عن مروان على أن يؤمنهم فعرفوهم خبره ومكانه وساروا حتى أدركوه

بقريه من قرى الصعيد تسمى بوصر في أخر الليل وقد نزل الكنيسة ومعه حرمه وولده وثقلهقال عامر‏:‏ لما وصلنا كنا في جمع يسير فلو علم قلتنا شد علينا فلجأنا إلى شجر ونخل فقلت

لأصحابي‏:‏ إن أصبحنا ورأوا قلتنا أهلكونا وخرج مروان فقاتل وهو يقول‏:‏ كانت لله علينا

حقوق ضيعناها ولم نقم بما يلزمنا فيها فحلم عنا ثم انتقم منا‏.‏

قال علماء السير‏:‏ كان مروان قد عرض جيشه بالرقة فمر به ثمانون ألف عربي على ثمانين ألف فرس عربي ففكر ساعة ثم قال‏:‏ إذا انقضت المدة لم تنفع العدة إلا أنه في ذلك الوقت بالغ في القتال فقتل ثلاثمائة رجل وأثخنته الجراح وحمل عليه رجل فقتله واحتز رأسه رجل من أهل البصرة كان يبيع الرمان فقال الحسن بن قحطبة‏:‏ اخرجوا إلي كبرى بنات مروان فأخرجوها وهي ترعد فقال لها‏:‏ لا بأس عليك فقالت‏:‏ أي بأس اعظم من إخراجك إياي حاسرة من حيث لم أر رجلا قط فأجلسها ووضع الرأس في حجرها فصرخت واضطربت فقيل له‏:‏ ماحملك على هذا فقال‏:‏ كفعلهم بزيد بن علي حين قتلوه فإنهم جعلوا رأسه في حجر زينب بنت علي، وبعث براس مروان إلى صالح بن علي فنصب على باب مسجد دمشق وبعث به إلى السفاح وأوغل أولاد مروان إلى بلاد النوبة فقاتلهم الحبشة فقتل بعضهم وأفلت بعضهم وكان فيهم بكر بن معاوية الباهلي فسلم حتى كان في خلافة المهدي فأخذه نصر بن محمد بن الأشعث عامل فلسطين فبعث به إلى المهدي‏.‏أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ‏:‏ قال‏:‏ أخبرنا محفوظ بن أحمد الكلوذاني فقال‏:‏ أخبرنا أبو علي

محمد بن الحسين الجارزي قال‏:‏ حدَّثنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدَّثنا الحسين بن قاسم الكوكبي

قال‏:‏ حدَّثنا الفضل بن العباس الربعي قال‏:‏ حدَّثني إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور

قال‏:‏ سمعت عمي سليمان بن أبي جعفر يقول‏:‏ كنت واقفًا على رأس المنصور ليلة وعنده إسماعيل بن علي وصالح بن علي وعيسى بن علي فتذاكروا زوال ملك بني أمية وما صنع بهم عبد الله وقتل من قتل منهم بنهر أبي فرطس فقال المنصور‏:‏ ألا منّ عليهم ليروا من دولتنا ما رأينا من دولتهم ويرغبوا إلينا كما رغبنا إليهم فلقد لعمري عاشوا سعداء وماتوا فقداء فقال له إسماعيل بن علي‏:‏ يا أمير المؤمنين إن حبسك عبيد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وقد كانت له قصة عجيبة مع ملك النوبة فابعث إليه فاسأله عنها فقال يا مسيب‏:‏ علي به فأخرج فتى مقيد بقيد ثقيل وغل ثقيل فمثل بين يديه فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال‏:‏ يا عبيد الله رد السلام أمن ولم تسمح لك نفسي بذلك بعد ولكن أقعدوه فجاءوا بوسادة فثنيت فقعد عليها فقال له‏:‏ قد بلغني أنه كان لك مع ملك النوبة قصة عجيبة فما هي قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لا والذي أكرمك بالخلافة ما أقدر على النفس من ثقل الحديد ولقد صدئ قيدي مما أرشق عليه من البول وأصب عليه من الماء في أوقات الصلوات فقال‏:‏ يا مسيب أطلق عنه حديده‏.‏

ثم قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين لما قصد عبد الله بن علي إلينا كنت المطلوب من بين الجماعة لأني كنت ولي عهد أبي من بعده فدخلت إلى خزانة فاستخرجت منها عشرة آلاف دينار ثم

دعوت عشرة من غلماني كل واحد على دابة ودفعت إلى كل غلام ألف دينار وأوقرت

خمسة أبغل فرشًا وشددت في وسطي جوهرًا له قيمة مع ألف دينار وخرجت هاربًا إلى بلاد

النوبة فسرت فيها ثلاثًا فوقعت إلى مدينة خراب فأمرت الغلمان فعدلوا إليها فكسحوا منها ما

كان قذرًا ثم فرشوا بعض تلك الفرش ودعوت غلامًا لي كنت أثق بعقله فقلت له‏:‏ انطلق إلى

الملك فأقرئه مني السلام وخذ منه الأمان وابتع لي ميرة‏.‏قال‏:‏ فمضى ثم أنه أبطأ علي حتى سؤت ظنًا ثم أقبل ومعه رجل أخر فلما دخل كفر لي ثم

قعد بين يدي فقال لي‏:‏ الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك‏:‏ من أنت وما جاء بك إلى بلادي

أمحارب لي أم راغب إلي أم مستجير بي قلت له‏:‏ رد على الملك السلام وقل له‏:‏ أما

محارب لك فمعاذ الله أما راغب في دينك فما كنت لأبغي بديني بدلًا وأما مستجير بك

فلعمري‏.‏

قال‏:‏ فذهب ثم رجع إلي فقال‏:‏ الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك‏:‏ أنا صائر إليك غدًا فلا

تحدثن في نفسك حدثا ولا تتخذ شيئاَ من ميرة فإنها تأتيك وما تحتاج إليه فأقبلت الميرة فأمرتغلماني ففرشوا ذلك الفرش كله وأمرت بفرش لي فنصب لي وله مثله وارتقبت في غد مجيئه

فبينا أنا كذلك أقبل غلماني يخطرون وقالوا‏:‏ إن الملك قد أقبل فقمت بين شرفتين من شرف

القصر أنظر إليه فإذا أنا برجل قد لبس بردتين ائتزر بإحداهما وارتدى الأخرى حاف راجل

وإذا عشرة معهم الحراب ثلاثة يقدمونه وسبعة خلفه وإذا الرجل الموجه إلى جنبه فاستصغرت

أمره وهان علي لما رأيته في تلك الحال وسولت لي نفسي قتله فلما قرب من الدار إذا بسواد

عظيم فقلت‏:‏ ما هذا السواد فقيل‏:‏ الخيل فوافى يا أمير المؤمنين زهاء عشرة آلاف عنان

فكانت موافاة الخيل إلى الدار وقت دخوله فأحدقوا بها ثم دخل فلما نظر إليّ قال لترجمانه‏:‏

أين الرجل فأومأ الترجمان إلي فلما نظر وثبت إليه فأعظم ذلك وأخذ بيدي فقبلها ووضعهاعلى صدره وجعل يدفع ما على الفسطاط برجله فشوش الفراش فظننت إن ذلك شيءيجلونه أن يطأ على مثله حتى انتهى إلى الأرض فقلت لترجمانه سبحان الله لم لا يصعد إلى

الموضع الذي وطئ له فقال‏:‏ قل له أني ملك وكل ملك حقه أن يكون متواضعًا لعظمة الله

سبحانه إذا رفعه الله ثم أقبل ينكث بإصبعه الأرض طويلًا ثم رفع رأسه فقال لي‏:‏ كيفسلبتم هذا الملك وأحذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم فقلت جاء من كان أقرب قرابة إلى نبيناصلى الله عليه وسلم فسلبنا وطردنا فخرجت إليك مستجيرًا بالله عز وجل ثم بك قال‏:‏ كنتم

تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم قلت‏:‏ فعل ذلك عبيد واتباع دخلوا في ملكنا منغير رأينا قال‏:‏ فلم كنت تركبون وعلى دوابكم الذهب والفضة وتلبسون الديباج وقد حرم

ذلك عليكم قلت‏:‏ عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في مملكتنا من غير رأينا قال‏:‏ فلم كنتم أنتم إذا

أخرجتم صيدكم عبرتم على القرى وكلفتم أهلها ما لا طاقة لهم بالضرب الوجيع ثم لا يقنعكم

ذلك حتى تمشوا زروعهم فتفسدوها في طلب دارج قيمته درهم أوفي عصفور قيمته لا

شيء والفساد محرم عليكم في دينكم قلت‏:‏ عبيد وأتباع قال‏:‏ لا ولكنكم استحللتم ما حرم

الله عليكم وأتيتم ما نهاكم عنه فسلبكم الله العز وألبسكم الذل ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد وإني لأتخوف أن تنزل بك النقمة من الظلمة فتشملني معك وإن النقمة إذا نزلت عمت وشملت فاخرج بعد ثلاث فإنني إن أخذتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك وقتلت جميع من معك ثم وثب وخرج‏.‏فأقمت ثلاثًا وخرجت إلى مصر فأخذني وليك فبعث بي إليك وها أنا ذا والموت أحب إلي من الحياة‏.‏ فهم أبو جعفر بإطلاقه فقال له إسماعيل بن علي‏:‏ في عنقي بيعة له‏:‏ قال‏:‏ فماذا ترى قال‏:‏ يترك في دار من دورنا ويجري عليه ما يجري على مثله قال‏:‏ ففعل ذلك به فوالله ما أدري أمات في حبسه أم أطلقه المهدي‏.‏وروى الحسن بن جعفر عن أبيه قال‏:‏ لما أفضت الخلافة إلى بني العباس اختفى رجل من بني

أمية وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك حتى أخذ له داود بن علي بن عبدالله أمانًا من أبي العباس فقال أبو العباس يومًا‏:‏ حدَّثني عما مر بك في اختفائك فقال‏:‏ كنت يا

أمير المؤمنين مختفيًا بالحيرة في منزل شارع على الصحراء‏.‏ فبينا أنا ذات يوم على ظهر بيت نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة فوقع في روعي إنها تريدني فخرجت من الدار متنكرًا حتى دخلت الكوفة ولا أعرف بها أحدًا أختفي عنده فدخلت متلددًا فإذا

أنا باب كبير ورحبة واسعة فدخلت الرحبة فجلست بها فإذا رجل وسيم حسن الهيئة على فرس قد دخل الرحبة مع جماعة من غلمانه وأتباعه فقال‏:‏ من أنت وما حاجتك فقلت‏:‏ رجل مختف يخاف على دمه واستجار بمنزلك قال‏:‏ فأدخلني منزله ثم سيرني في حجرة تلي حرمه فمكثت عنده حولًا في كل ما أحب من مطعم ومشرب وملبس لا يسألني عن شيء من حالي ويركب كل يوم ركبة فقلت له يومًا‏:‏ أراك تدمن الركوب ففيم ذاك قال‏:‏ إن إبراهيم بن سليمان قتل أبي صبرًا وقد بلغني أنه مختف فأنا أطلبه لأدرك ثأري فكثر عجبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في منزل من يطلب دمي وكرهت الحياة وسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فأخبرني بهما فعلمت أني قتلت أباه فقلت‏:‏ يا هذا قد وجب علي حقك ومن حقك أن أقرب عليك الخطوة قال‏:‏ وما ذاك فقلت‏:‏ أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك فقال‏:‏ أحسب إنك رجل قد مضه الاختفاء فأحب الموت فقلت‏:‏ بل الحق قلت‏:‏ قتلته يوم كذا وكذا بسبب كذا وكذا فلما عرف أني صادق تربد وجهه واحمرت عيناه وأطرق مليًا ثم قال‏:‏ أما أنت فستلقى أبي فيأخذ حقه منك وأما أنا فغير مخفر ذمتي فاخرج عني فلست آمن نفسي عليك وأعطاني ألف دينار فلم أقبلها وخرجت من عنده وهذا أكرم رجل رأيته‏.‏

وقد روينا أن مرية زوجة محمد بن مروان قد استأذنت على الخيزران وعندها زينب بنتسليمان بن علي الهاشمي فلما دخلت قالت زينب‏:‏ الحمد لله الذي أزال نعمتك وصيرك عبرة

تذكرين يا عدوة الله حين أتاك أهل بيتي يسألونك أن تكلمي أصحابك في أموال إبراهيم بن محمد فلقيتيهن ذلك اللقاء وأخرجتيهن ذلك المخرج فضحكت وقالت‏:‏ أي بنت عم أي شيء

أعجبك من حسن صنيع الله بي على ذلك حتى أردت أن تتأسي بي فيه ثم ولت خارجة‏.‏

وفي هذا السنة‏:‏ خلع أبو الورد واسمه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي وهو من

أصحاب مروان وفرسانه وقواده خلعه أبو العباس السفاح وذلك لما هزموا بقنسرين جاء إلى

عبد الله بن علي فبايعه ودخل فيما دخل فيه جنده من الطاعة فجاء قائد من قواد عبد الله

بن علي فبعث بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم وكانوا مجاورين لأبي الورد فخرج حتى

هجم على ذلك القائد فقتله ومن معه وأظهر الخلع وبيض ودعا أهل قنسرين إلى ذلك فأجابوه

وأبو العباس يومئذ بالحيرة فلما بلغ عبد الله بن علي ذلك خرج متوجهًا إلى قنسرين للقاء أبيالورد فلما قدم حمص إذا أهل قنسرين قد بيضوا ونهضوا مع عثمان بن عبد الأعلى بن سراقةوانتهبوا ما كان عبد الله بن علي خلفه من متاع وثقل واجتمع مع أبي الورد جماعة من أهل

قنسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر فقدم منهم ألوف وعليهم محمد بن عبد الله بن

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وقالوا‏:‏ هو السفياني الذي يذكروهم في نحو أربعين ألفًا - فلما دنا منهم عبد الله بن علي وأبو محمد معسكر في جماعتهم أبو الورد المتولي لأمر العسكر والمدبر له وهو صاحب الحرب - وجه عبد الله بن علي عبد الصمد في عشرة آلاف فناهضهم أبو الورد واستحر القتل بين الفريقين وثبت القوم وانكشف عبد الصمد ومن معه وقتل يومئذ

منهم ألوف وجاء عبد الصمد إلى عبد الله بن علي فنهض إليهم عبد الله ومعه حميد بن

قحطبة وجماعة من القواد فالتقوا ثانية فاقتتلوا قتالًا شديدًا وانكشف جماعة ممن كان مع عبد

الله ثم ثابوا وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم وثبت أبو الورد في نحو من

خمسمائة من أهل بيته وقومه فقتلوا جميعًا وذلك في ذي الحجة وهرب أبو محمد ومن معه حتى لحقوا بتدمر وأمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا وبايعوا ودخلوا في طاعته ثم مضى إلى أهل دمشق فهرب الناس وتفرقوا فلم يكن بينهم وقعة وآمن أهلها فبايعوه ولم يؤاخذهم بما كانوافعلوا‏.‏

فأما أبو محمد فلحق بأهل الحجاز فوجه إليه زياد بن عبيد الحارثي عامل أبي جعفر على

المدينة خيلًا فقاتلوه حتى قتل‏.‏

وفي هذه السنة خلع حبيب بن مرة وبيض هو ومن معه من أهل الشام وكان تبيض هذا قبل

تبيض أبي الورد وإنما بيض أبو الورد وعبد الله مشتغل بقتال حبيب وإنما بيض حبيب خزفًا

على نفسه وقومه فبايعته قيس وغيرهم من أهل ذلك الكور البثنية وحوران فلما بلغ عبد اللهبن علي تبييض أهل قنسرين دعا حبيبًا إلى الصلح فصالحه وآمنه ثم خرج متوجهًا للقاء أبي

الورد وفعل به ما فعل‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ بيض أهل الجزيرة وخلعوا أبا العباس‏.‏ وإنما فعلوا هذا حين بلغهم خروج أبيوولى أبو العباس أبا جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فلم يزل على ذلك حتى

استخلف‏.‏

أخبرنا علي بن عبد الله قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سلامة القاضي القضاعي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر

محمد بن الحسن عن أبيه قال‏:‏ أخبرني بعض الهاشميين قال‏:‏ كنت جالسًا عند المنصور بأرمينية وهو أميرها لأخيه أبي العباس وقد جلس للمظالم فدخل عليه رجل فقال‏:‏ إن لي مظلمة وإني أسألك أن تسمع مني مثلًا أضربه قبل أن أذكر مظلمتي قال‏:‏ قل قال‏:‏ إني وجدت الله تبارك وتعالى اسمه خلق الخلق على طبقات فالصبي إذا خرج إلى الدنيا لا يعرف إلا أمه ولا يطلب غيرها فإن فزع من شيء لجأ إليها ثم يرتفع عن ذلك طبقة فيعرف أن أباه أعز من أمه فإن أفزعه شيء لجأ إلى أبيه ثم يبلغ فإن أفزعه شيء لجأ إلى سلطانه فإن ظلمه ظالم انتصر به منه فإذا ظلمه السلطان لجأ إلى ربه فاستنصره وقد كنت في هذه الطبقات وقد ظلمني ابن نهيك في ضيعة لي في ولايته فإن نصرتني عليه وأخذت لي بمظلمتي وإلا استنصرت الله عز وجل ولجأت إليه فانظر لنفسك أيها الأمير أو دع فتضاءل أبو جعفر وقال‏:‏ أعد علي الكلام فأعاده فقال‏:‏ أما أول شيء فقد عزلت ابن نهيك من ناحيته وفي هذه السنة‏:‏ شخص أبو جعفر المنصور إلى أبي مسلم بخراسان لاستطلاع رأيه في قتل أبي سلمة حفص بن سليمان‏.‏ وذلك أن أبا سلمة ستر حال أبي العباس حتى قدم الكوفة‏.‏

وقد ذكرنا أن قومًا يذكرون ويقولون إنما أراد أن يجعل الأمر في آل أبي طالب فصار عند القوم بهذا متهمًا فتذاكروا بعد ظهور السفاح ما فعله أبو سلمة فقال قائل منهم‏:‏ فما يدريكم لعل ما صنع أبو سلمة كان عن رأي أبي مسلم فقال أبو العباس‏:‏ لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم إنا

بعرض بلاء إلا أن يدفعه الله عنا‏.‏ ثم تفرقوا فأرسل أبو العباس إلى أبي جعفر فقال‏:‏ ما ترىفقال‏:‏ الرأي رأيك قال‏:‏ فاخرج إلى أبي مسلم حتى تعلم ما رأيه فليس يخفي عليك لو قد

لقيته فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا وإن لم يكن عن رأيه طابت نفوسنا‏.‏قال أبو جعفر‏:‏ فحرجت على وجل فلما انتهيت إلى الري إذا صاحب الري قد أتاه كتاب أبي

مسلم‏:‏ أنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجه إليك فإذا قدم فأشخصه ساعة يقدم عليك‏.‏ فلما

قدمت أتاني عامل الري فأخبرني بكتاب أبي مسلم وأمرني بالرحيل فازددت وجلًا وخرجت

وأنا خائف فسرت فلما كنت بنيسابور إذا عاملها قد أتاني بكتاب أبي مسلم‏:‏ إذا قدم عليك

عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تدعه يقيم فإن الأرض أرض خوارج ولا آمن عليه فطابت

نفسي وقلت‏:‏ أراه يعنى بأمري‏.‏ فسرت فلما كنت من مرو على فرسخين تلقاني أبو مسلم في

الناس فلما دنا مني أقبل يمشي إلي حتى قبل يدي فقلت‏:‏ اركب فركب‏.‏ فدخلت مرو فنزلت دارًا فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء ثم قال لي في اليوم الرابع‏:‏ ما أقدمك فأخبرته فقال‏:‏ فعلها أبو سلمة أنا أكفيكموه‏.‏ ثم دعا مرار بن أنس الضبي فقال له‏:‏ انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته وانته في ذلك إلى رأي الإمام فقدم مرار الكوفة وكان أبو سلمة يسمر عند أبي العباس فعقد له في طريقه فلما خرج قتله وقالوا‏:‏ قتلته الخوارج‏.‏وقال سليمان بن المهاجر‏:‏

إن الوزير وزير آل محمد **أودى فمن يشناك كان وزيرًا

وكان أبو مسلم إذا جاء إلى أبي جعفر وهو بالري ينزل على باب الدار ثم يجلس في الدهليز

ويقول للحاجب‏:‏ استأذن لي فغضب أبو جعفر على حاجبه وقال له‏:‏ ويلك إذا رأيته فافتح له

الباب وقل له يدخل على دابته‏.‏ وانصرف أبو جعفر إلى أبي العباس فقال له‏:‏ لست خليفة ولا

آمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله قال‏:‏ وكيف قال‏:‏ والله ما يصنع إلا ما يريد فقال أبو

العباس اسكت واكتمها‏.‏وفي هذه السنة‏:‏ وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط لحرب يزيد بن عمر بن هبيرة‏.‏

وقد سبق ذكرنا حال يزيد بن عمر بن هبيرة مع الجيش الذي لقوه من أهل خراسان مع قحطبةثم ابنه الحسن إلى أن انهزم ولحق بواسط وتحصن بها‏.‏ ولما انهزم تفرق عنه الناس وخلف على الأثقال قومًا فذهبوا بتلك الأموال فقيل له‏:‏ لو لحقت بمروان فإنه ليس بعد الحصار إلا القتل وكان يخاف من مروان لأنه كان يكتب إليه في الأمر فيخالفه فخافه إن قدم عليه أن يقتله فسرح أبو سلمة الحسن بن قحطبة فخندق وخرج ابن هبيرة للقتال واقتتلوا ثم تحاجزوا ثم اقتتلوا بعد أيام فهزم أهل الشام هزيمة قبيحة فدخلوا المدينة فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميًا منوراء الفصيل ومكثوا على القتال أحد عشر شهرًا فلما طال عليهم وجاءهم قتل مروان طلبوا

الصلح‏.‏ وكان أصحاب ابن هبيرة قد تقاعدوا به حتى هم أن يدعو إلى محمد بن عبد الله بن

الحسن وكتب إليه فأبطأ جوابه جرت السفراء بين أبي جعفر وبين ابن هبيرة حتى جعل له أمانًاوكتب بذلك ابن هبيرة كتابًا مكث يشاور فيه العلماء أربعين يومًا حتى رضيه ابن هبيرة ثمأرسله إلى أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر إلى أبي العباس فأمره بإمضائه وكان رأي أبي حعفر

الوفاء له بما أعطاه‏.‏

وكان أبو العباس لا يقطع أمرًا دون أبي مسلم وكان أبو الجهم عينًا لأبي مسلم على أبي العباس يكتب إليه أخباره كلها فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس‏:‏ إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة‏.‏ ولما تم الكتاب الذي كتبه ابن هبيرة لنسفه خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة فأراد أن يدخل الحجرة على دابته فقام إليه الحاجب سلام بن سليم فقال‏:‏ مرحبًا بك أبا خالد انزل راشدًا وقد طاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل خراسان فنزل ودعا له بوسادةفجلس عليها ثم دعا بالقواد فدخلوا ثم قال سلام‏:‏ ادخل أبا خالد فقال‏:‏ أنا ومن معي فقال‏:‏ إنما استأذنت لك وحدك فقام فدخل فحادثه ساعة ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصره حتى غاب عنه ثم مكث يقيم عنه يومًا ويأتيه يومًا في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل فقام يزيد بن حاتم لأبي جعفر‏:‏ أيها الأمير إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر وما نقص من سلطانه شيء فقال أبو جعفر لسلام‏:‏ قل لابن هبيرة يدع الجماعية يأتينا في حاشيته قال‏:‏ فلما سمع ذلك تغيرت وجهه وجاء في حاشيته نحو من ثلاثين ثم كان بعد ذلك يأتي في ثلاثة ثم ألح أبو العباس على أبي جعفر يأمره بقتله وهو يراجعه حتى كتب إليه‏:‏ والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك ثم يتولى قتله‏.‏ فأزمع على قتله فأخذ جماعة من أصحابه فقتلهم ثم بعث إليه من قتله‏.‏وفيها‏:‏ بعث أبو مسلم محمد بن الأشعث على فارس وأمره أن يأخذ عمال أبي سلمة فيضرب

أعناقهم ففعل ذلك‏.‏وفيها‏:‏ عزل أبو العباس عمه داود بن علي عن الكوفة وسوادها وولاه مكة والمدينة واليمن

واليمامة وولى ما كان إليه عيسى بن موسى واستقضى عيسى على الكوفة ابن أبي ليلى‏.‏

وفيها‏:‏ وجه أبو العباس أخاه يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله واليًا على الموصل‏.‏وفيها‏:‏ حج بالناس داود بن علي وكان العامل على مكة والمدينة واليمن وعلى الجزيرة

وأرمينية وأذربيجان أبو جعفر وعلى الموصل يحيى بن محمد وعلى كور الشام عبد الله بنعلي وعلى مصر أبو عون عبد الملك بن يزيد وكان على البصرة سفيان بن معاوية المهلبي

وعلى قضائها الحجاج بن أرطأة وعلى فارس محمد بن الأشعث وعلى السند منصور بن

جمهور وعلى خراسان والجبال أبو مسلم وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حفص بن سليمان أبو سلمة الخلال وزير أبي العباس السفاح

وهو أول من وزر لهم ولم يكن خلالًا إنما كان منزله بالكوفة بقرب الخلالين وكان يجلس

عندهم فسمي خلالًا‏.‏ وقتل في هذه السنة على ما ذكرنا في حوادث السنة‏.‏

الربيع بن أبي راشد أبو عبد الله‏:‏ قال أبو بكر بن أبي الدنيا‏:‏ حدَّثنا محمد بن أبي يزيد الآدمي قال‏:‏ حدَّثنا سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب قال‏:‏ كنت مع الربيع بن أبي راشد في الجبانة فقرأ رجل‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس إن كنت في ريب في البعث‏}‏ الآية فقال الربيع‏:‏ حال ذكر الموت بيني وبين كثير مما أريد من التجارة ولو فارق ذكر الموت قلبي ساعة خشيت أن يفسد علي قلبي ولولا أن أخالف من كان قبلي لكانت الجبانة مسكني إلى أن أموت‏.‏قال‏:‏ وقال عمر بن ذر‏:‏ كنت إذا رأيت الربيع بن أبي راشد‏:‏ انه مخمار من غير شراب‏.‏

زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو إبراهيم‏:‏ كان سيد بني عبد العزيز وفارسهم حضر الوقعة مع مروان بن محمد ليلة بوصير فتقنطر به فرسه فقتله المسور في هذه السنة ولم يعرفوه‏.‏ وقد روى عنه الأوزاعي‏.‏صفوان بن سليم أبو عبد الله الزهريمولى حميد بن عبد الرحمن

روى عن ابن عمر وجابر وعبد الله بن جعفر وسهل بن حنيف وجماعة من كبار التابعين

كان ثقة كثير الحديث عابدًا‏.‏أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدَّثنا ابن جعفر قال‏:‏ حدَّثنا جعفر بن محمد الفريابي قال‏:‏ حدَّثنا أبو أمية قال‏:‏ حدَّثنا يعقوب بن محمد قال‏:‏ حدَّثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال‏:‏ عادلني صفوان بن سليم إلى مكة فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع‏.‏

قال أبو نعيم‏:‏ وأخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم في كتابه قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن محمد بن

عاصم قال‏:‏ حدَّثنا سعيد بن كثير بن يحيى قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها‏.‏ قال‏:‏ فصلى بالناس الظهر ثم فتح باب المقصورة واستند إلى المحراب واستقبل الناس بوجهه فنظر إلى صفوان بن سليم من غير معرفة فقال‏:‏ يا عمر من هذا الرجل ما رأيت سمتًا أحسن منه قال‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا صفوان بن سليم قال‏:‏ يا غلام كيس فيه خمسمائة دينار فأتى بكيس فيه خمسمائة دينار فقال لخادمه‏:‏ ترى هذا الرجل القائم يصلي فوصفه للغلام حتى أثبته‏.‏ قال‏:‏ فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان فلما نظر إليه صفوان ركع وسجد ثم سلم وأقبل عليه فقال‏:‏ ما حاجتك قال‏:‏ أمرني أمير المؤمنين - وهو ا ينظر إليك وإلي أن أدفع إليك هذا الكيس فيه خمسمائة دينار وهو يقول لك استعن بهذه على زمانك وعلى عيالك فقال صفوان‏:‏ ليس أنا بالذي أرسلت إليه فقال الغلام‏:‏ ألست صفوان بن سليم قال‏:‏ بلى أنا صفوان بن سليم قال‏:‏ فإليك أرسلت - قال‏:‏ اذهب فاستثبت فإذا أثبت فهلم فقال الغلام‏:‏ فأمسك الكيس معك وأنا أذهب قال‏:‏ لا إذا أمسكت كنت قد أخذت ولكن اذهب فاستثبت وأنا ها هنا جالس‏.‏ فولى الغلام وأخذ صفوان نعليه وخرج فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة‏.‏قال أحمد بن محمد بن عاصم‏:‏ وحدثنا أبو مصعب قال‏:‏ قال لي ابن حازم‏:‏ دخلت أنا وأبينسأل عن صفوان بن سليم وهو في مصلاه فما زال أبي حتى رده إلى فراشه فأخبرتني مولاتهأن ساعة خرجتم مات‏.‏عبد الحميد بن يحيى بن سعيدمولى بني عامر بن لؤي الكاتب كاتب مروان بن محمد‏:‏ كان الأساس في البلاغة رسم رسومها وأصل أصولها وفرع فروعها وقد كان قبله سالم مولى سعيد بن عبد الملك مقدمًا في هذه الصناعة إلا أنه دون عبد الحميد وكان متصلًا في حداثته بعبد الله بن مالك الثقفي كاتب الوليد بن عبد الملك فتأدب وبرع ثم اتصل بمروان بن محمد قبل الخلافة فغلب عليه فكان يخط بين يديه قبل الخلافة أحسن خط ولا ينتحل شيئا من البلاغة ثم قام في الخلافة مقام الوزيرأخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن علي‏:‏ قال‏:‏ حدَّثنامحمد بن عمر المرزبان قال‏:‏ حدَّثنا علي بن سلمان الأخفش قال‏:‏ قال أحمد بن يوسف

الكاتب‏:‏ رآني عبد الحميد بن يحيى وأنا أكتب خطًا رديئًا فقال‏:‏ إن أردت أن تجود خطك فأطلجحفتك واشممها وحرف قطتك وأيمنها‏.‏

قال علماء السير‏:‏ انقرض ملك بني أمية على أربعة لم يجتمع مثلهم في دولة‏:‏ مروان بن محمد بن الحكم في شجاعته وسياسته وعبد الحميد في كتابته وبلاغته ويزيد بن عمر بن هبيرة في تدبيره وصحة رأيه ونصر بن سيار في صولته وضبطه وبعد صوته‏.‏

عمر بن المنكدر‏:‏ كان من العباد المجتهدين وقوام الليل‏.‏أخبرنا عبد الوهاب الحافظ بإسناده عن بن أبي بكر الرشي قال‏:‏ حدثني الحسن بن الصباح

قال‏:‏ حدَّثنا العلاء بن عبد الجبار عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قالت أم عمر بن المنكدر لعمر‏:‏

إني لأشتهي أن أراك نائمًا فقال‏:‏ يا أماه والله إن الليل ليرد علي فيهولني فينقضي عني وما

قضيت إربي‏.‏وفي رواية‏:‏ أنهم قالوا له‏:‏ فما هذا البكاء الكثير فقال‏:‏ آية من كتاب الله تعالى أبكتني‏:‏ ‏{‏وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون‏}‏‏.‏

منصور بن المعتمر أبو عتاب السلمي‏:‏ أسند عن أنس وعن جماعة من كبار التابعين وكان من العلماء المتعبدين الثقات‏.‏ صام أربعين سنة وتمامها وكان محرومًا كأنه قد أصيب بمصيبة وبكى حتى عمش‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ويحيى بن علي قالا‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفينيقال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسن بن عبدان قال‏:‏ حدثنا الحسين بن إسماعيل قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن

يحيى الأزدي قال‏:‏ حدَّثنا خلف بن تميم عن زائدة بن قدامة قال‏:‏ صام منصور بن المعتمر أربعين سنة قام ليلها وصام نهارها وكان يبكي الليل فتقول له أمه‏:‏ يا بني قتلت قتيلًا فيقول‏:‏ أنا أعلم ما صنعت بنفسي فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه خرج إلى الناس فأخذه ذات يوم يوسف بن عمر عامل الكوفة يريده على القضاء فامتنع قال‏:‏ فدخلت عليه وقد جيء بالقيد ليقيد قال‏:‏ فجاءه خصمان فقعدا بين يديه فلم يسألهما ولم يكلمهما فقيل ليوسف بن عمر‏:‏ إنك لو نثرت لحمه لم يل لك قضاء فخلى عنه وتركه‏.‏

أخبرنا ابن ناصر بإسناد له عن العلاء بن سالم العبدي قال‏:‏ كان منصور يصلي في سطحهفلما مات قال غلام لأمه‏:‏ يا أماه الجذع الذي كان في آل فلان ليس أراه قال‏:‏ يابني ليس ذلك

جذع ذلك منصور وقد مات‏.‏

أخبرنا ابن منصور قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدَّثنا

أبو محمد بن حيان قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن يحيى قال‏:‏ حدَّثنا أزهر بن جميل قال‏:‏ حدَّثنا ابنعيينة قال‏:‏ رأيت منصور بن المعتمر في المنام فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ كدت أن ألقى الله بعمل نبي‏.‏قال سفيان‏:‏ إن منصورًا صام ستين سنة يقوم ليلها ويصوم نهارها‏.‏

مروان بن محمد بن مروان بن الحكم‏:‏ قتل في ذي الحجة من هذه السنة وهو ابن اثنتين وستين سنة وقيل‏:‏ تسع وستين‏.‏ وقيل ثمان وخمسين‏.‏ وكانت ولايته خمس سنين وعشرة أشهر وستة عشر يومًا‏.‏